لحج نيوز/بقلم:نزار العبادي -
أوصى لقمان الحكيم ابنه قائلاً: «يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك, فإن الله عزّ وجل يحيي القلوب بنور الحكمة, كما يحيي الأرض بوابل السماء» ولنا في القول مدخل إلى مرابط أبنائنا الشباب الذين مازالوا يفترشون الأرض حاملين أمانيهم بحياة مختلفة وفرص أوفر للمستقبل المنشود.
التقيت أمس بمجموعة من طالبات السكن الجامعي في جامعة صنعاء, وبدين بحالة إحباط مزرية بعد أن أغلقت حشود المتظاهرين عليهن كل المنافذ, فلم يعد بوسع إحداهن الخروج للتسوق أو قضاء أي غرض كان.
وشكين أن العشرات من زميلاتهن انقطعن عن الدوام منذ أسبوعين لأنهن لا يعرفن سبيل الوصول إلى بوابتها.. وتساءلن بمرارة: فليحسبونا أخواتهم, فهل سيسمحون لإحداهن بشق طريقها وسط آلاف الشباب؟!.
هذه رسالة أوصلها بأمانة إلى أبنائنا الشباب المعتصمين أمام بوابة جامعة صنعاء ليبحثوا لأخواتهم عن مخرج من السجن الذي حبسوهن فيه رغماً عن إرادتهن, في وقت هم أنفسهم يرفعون شعارات الحرية والعدالة والحياة الكريمة.
أما الرسالة الثانية فهي من أصحاب المحلات والمصالح والبيوت التي آلت أوضاعها إلى حال مماثل للطالبات, فقطعت أرزاقهم, وصاروا يعانون الأمرّين, فيما حبست مئات العوائل داخل البيوت, فلا امرأة حامل أو مريضة تعرف سبيلاً للذهاب إلى مستشفى, ولا طفل صغير يجد مكاناً للهو!!.
وفي ميدان التحرير بالعاصمة اقتصرت الشكوى على أصحاب المحلات والمصالح المختلفة الذين يؤكدون أنهم باتوا يعانون ضنك العيش ويدفعون ثمن كل ما يحدث.. وأخبرني أصدقاء في تعز عن معاناة مماثلة.
من حق شبابنا ممارسة حقوقهم الديمقراطية وحرياتهم في تنظيم المسيرات والاعتصامات, لكن أيضاً من حق الآخرين ممارسة حرياتهم وكسب أرزاقهم.
وعندما يكون المعتصمون من الفئة الشبابية التي نالت نصيبها من العلم والثقافة, فإن عتب المجتمع عليهم أشد من سواهم, لأنهم فئة واعية قادرة على تمييز الحقوق والواجبات, وإدراك أن حرية الفرد تنتهي عند بداية حرية الآخر.
الشباب كانت لديهم وسائلهم في إيصال أصواتهم إلى كل مكان تطّلعوا إليه, ولم يعد هناك من يتجاهل وجودهم, إذ أن حتى السلطة شكّلت لجنة للتحاور معهم.
وبالتالي فإن مكان الاعتصام وسط منطقة نشاط بشري كثيف ربما كان ضرورة في بادىء الأمر لتعريف الناس بحركتهم الاحتجاجية, لكن في الوقت الحاضر أصبح عبئاً على غيرهم, وصارت الضرورة هي الانتقال إلى ساحة مناسبة لا يترتب على وجودهم فيها ضرر ولا ضرار لأحد.
فليستمع شبابنا إلى صوت العقل والحكمة الذي كما قال لقمان الحكيم: (إن الله يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل السماء).
فالناس المتعاطفون مع احتجاجات الشباب سيكونون أكثر تعاطفاً مع معاناة الطالبات وسكان الأحياء المجاورة وأصحاب المحلات والمصالح لما يترتب على معاناتهم من ضرر بالغ على قوت أسرهم وعفاف بناتهم.
إن الحركات الاحتجاجية الناجحة هي التي تحمل قيماً أخلاقية وإنسانية نبيلة مستمدة من روح قيم المجتمع, فيراها الناس جزءاً منهم ويتحسسوا خطابها ورسائلها.
أما تلك التي تحاول فرض نفسها على الآخرين دون مراعاة مشاعرهم وحرياتهم ومصالحهم فتبقى غريبة ينفر منها الناس, فتضمحل وتتلاشى.
فليتواضع أبناؤنا الشباب, فإن عظمة المرء في تواضعه وسعة صدره وطول صبره واسترشاده بتجارب غيره, وإصغائه لكل ذي علم ورأي سددين.
ففي اللحظة التي يشعر بها المرء أنه أصبح فوق الآخرين وأسمى منهم منزلة, يكون قد هوى بنفسه إلى قيعان الفشل.. وهو مالا نتمناه لأحد.