لحج نيوز/بقلم:حسن شمسان -
يسمع المتابعون عن مطلوبين للعدالة، ويسمعون كذلك عن محبوسين على ذمة العدالة، وسمعنا وسمعوا عن موتى قضوا نحبهم وحتفهم تحت ستار ودثار العدالة وعلى ذمتها أيضا، وهكذا أصبحت العدالة والمطلوبون والعدالة والمحبوسون والعدالة والمحتوفون حديث البرلمان وحديث الأجهزة الأمنية، وحديث الشارع .
وأقول ابتداء لو لم تكن العدالة – أصلا - غائبة ومفقودة في الأوطان - تحديدا الأنظمة - لما كان هناك مطلوبون للعدالة، ولما كان هناك موقوفون على ذمة العدالة أيضا ولما قضى كثير من الناس حتفهم تحت ستار وشعار العدالة.
لهذا ندرك تمام الإدراك لماذا همَّ من هم أسفل السفينة بخرق نصيبهم (لا لأنهم مخربون أو مفسدون)؛ بل لأنه راودهم شعور بعدم تحقق مبدأ العدالة بين ركاب السفينة، وأن من أدرك أو أصاب – بلغة الحديث – أعلى السفينة أشعر من هم أسفلها بالدونية، فكان منهم - أي من هم في أعلى السفينة - أن تأذوا من صعود منهم أسفلها، على الرغم من أنهم كانوا يصعدون ليقتاتوا لا ليتنزهوا أو يتفسحوا في ظهر السفينة. "حتى إذا استقوا مروا على من فقوهم" فكيف لو هموا بالصعود للنزهة وهو من حقهم.
وهنا ندرك تماما لماذا ظهرت فئة من الناس تريد أن تخرق في نصيبها، إنه الشعور بالظلم والجور، ومحاولة البحث عن العدالة الضائعة، ومحاولة تطبيق مبدئها على الجميع رعاة ورعية حكاما ومحكومين، وحين تبحث الشعوب أو بعضها عن دالة العدالة تجدهم بين لحظة وأخرى مطلوبين للعدالة.
هكذا عندما تفهم العدالة من اتجاه واحد وعندما تطبق أحكامها على صنف واحد بمعنى يكون المعني بها هو الضعيف لا لأنه يخالف العدالة بل لأنه يحاول ايجادها وتحقيقها على الجميع، ولا ننسى قول الرسول صلى الله عليه وسلم "إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"
ومن هنا دعونا نفلسف العدالة ونجعل لها تعريفا مستلهما من طريقة وقاموس الخليفة عمر ابن الخطاب، دعني أخي القارئ أعرف لك مفهوم أو ماهية العدالة من منظور سياسي، حينها سيكون مفهوم العدالة أو تعريفها هو: أن يخرج الرئيس للأسواق ويختلط بالناس من غير موكب أمني أو حراسي. فمتى ما استغنى الزعماء عن المواكب الأمينة والحراسية حينها فقط نقول إن هناك عدالة سائدة في الدول المسلمة.
وقد استلهمت هذا التعريف للعدالة من التأريخ الإسلامي المضيء إنه عهد الخلفاء الراشدين – تحديدا الخليفة عمر رضي الله عنه - الذي اكتفى بدالة العدالة كـ (حارس شخصي له وحيد) حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر. ولم لا وهو القائل رضي الله عنه "والله لو عثرت بلغة في العراق لخفت أن يسألني الله لِم لَم تصلح لها الطريق يا عمر" !!! وهو بذلك قد وفر الكثير من المال لخزينة الدولة. ونصف الموازنة المالية تصرف في الوقت الراهن للأجهزة الأمنية المختلفة الظاهرة المستترة. ومن هنا يتبين لكل ذي لب بأن الدول التي لا تتوفر في أنظمتها العدالة تجد هناك مطلوبين كثر للعدالة.
وحتى لا نذهب بعيدا ونرجع إلى الوراء كثيرا أشير إلى ما يحصل في الغرب الآن فتجد هناك قلما يخرج الحاكم مع موكب رئاسي وحراسي وأمني، بل تجد الأغلب خروجه كخروج المواطن العادي تجده حتى يتوقف لإشارة المرور في حين أنه في البلدان العربية تقطع الشوارع وتتوقف حركتها بالساعات لا بالدقائق. فمن المسئول إذا عن وجود هذه الظاهرة في غالبية البلدان الإسلامية إن لم تكن الأنظمة الحاكمة هي المسئول الأول؛ لأنها باختصار شديد ضيعت ميزان العدالة أو فهمته من اتجاه واحد، فتجد من هو مطلوب للعدالة مطارد؛ لأنه يبحث أصلا عنها ومنهم من قبض عليه وهو متلبس بها.
وأخيرا أقول: إن العلاقة ينبغي أن تقوم بين الراعي والرعية أو الحكام والمحكومين على أساس من العدل والمساواة فمتى تكون العلاقة قائمة كذلك سوف لن تجد مطلوبين بهذه الكثرة للعدالة وحينها سوف تستقيم الحياة لكن حيث تجد الظلم والقهر تجد الكثير والكثير من الناس مطلوبين للعدالة. فمتى يدرك الجميع بأن العدل أساس الملك وهو صمام أمانه، ومن دونه يبقى الملك بلا أساس وهو على شفا جرف قد يسقط/ينتزع في أي لحظة يريدها الله.