بقلم/المهندس: غمدان الهدور -
جاء الصباح ،وجاء معه بصيص املٍ للنهوض بالحياة من جديد ،
فاشرقت الشمس ، وخرجت العصافيرٌ بأشكالها الرائعة والمختلفة ......
تطير بحريةٍ لا يمنعها احد محلقةً في السماء الواسعة بحثاً عن الرزق ...
ومع ظهور الشمس رويداً رويداً ......
حتى بدأت أصوات عربات النقل وموتوراته تضج بالمدينة .....
دقائق معدودة حتى بدأت الحياة تعم ارجاء المدينة ....
وبدأ الجميع يخرجون من اماكنهم متجهين الى اماكن اعمالهم ،
كلاً في مجاله وتخصصه ،
وبالمثل ايضا:ً
خرجت معهم ، نشيطاً ،متأنقاً أستعد للذهابِ إلى الكلية التي غبت عنها فترةً كبيرة ...
كان يوجد على يدي اليمني دفتر محاضرات ،قلمٌ ،وبعضاً من المراجع الهندسية ....
توجهت وامتطيت (الباص) الخاص بالجامعة ، على ذلك الباص بضعة اشخاص يركبون الباص بجانبي ، البعض متجهٌ إلى الجامعة والبعض الى أماكن أخرى ....
في داخل الباص :
كان هنالك شعوراً غريباً ينتابني لا أدري ما سببه ....
انطوت المسافة سريعاً حتى وصلت ....
وما إن رأيت بوابة الجامعة حتى تفاجئت كثيراً !!!!
اموراً كثيرة اقل ما يقال عنها بعد رؤيتها أنها بالغريبة .....
لقد اختفت الكثير من الأشياء ، فلا باعةُ هنالك على الجانب الآخر من البوابة
ولاباصات موجودة ....
ولا حركة للطلاب الا القليل منهم .....
تتناسى ما بحولك :
وتحاول أن تقنع نفسك بان كل شيء بخير ....
وتتوهم بأن كل شيء بخير
هكذا توهمت أنا واتجهت صوب الكلية ...
كان لسان حالي يقول بأني قد دخلت مقبرة او مكانٍ مهجور ....
فحركة السير غير اعتيادية لقد اختفى ذلك الزخم الطلابي الذي كان يرافقني عند الدخول والخروج .....
اتلفت يميناً وشمالاً ..
خائفاً اترقب فلا اجد تفسيراً لما يحدث ....
مضيتُ طريقي وتابعت حتى وصلت ....
وما إن وصلتُ ....
حتى ذُهلت اكثر وأكثر...
فالحياة معدومة تماماً ..
العنكبوت قد نسجت خيوطها على نوافذ المباني لتدل بأن المباني لم تفتح ابداً ،
ربااااه ماذا أشاهد ؟؟
كل شيء صار مفزعاً ...
الساحة التي كانت تجمع الكثير من الطلاب بمختلف جنسياتهم صارت فارغة تماماً .....
هكذا اصابني الرعب ...
مثلما يشعر من ينزف بأن الحياة تتسرب منه....
تلخبط كل شيء فيّ ...
هناك بعضاً او قلةً قليلة من الزملاء يتحدثون واصواتهم تعلو المكان ....
توجهت نحوهم وتبادلنا التحية ....
ويا للأسف؟؟
فالكل مشغولٌ بالاحداث ،والجبهات والحروب .....
وقليلاً حتى يأتي صوت من الأعلى طائرة تحلق،
اصواتها تقترب ، الجميع فزعون ، خائفون كل منهم يترقب ، الكل يتحدث ، وبصوتٍ عالٍ :
اهربواااا .... اهربواااا
الجامعة مستهدفة ... الجامعة مستهدفة !!!!
نفترق ونذهب مهرولين كلاً في إتجاه .....
ولماذا ؟
وكيف ؟
ولأي سببٍ ؟
ماهذا الذي نعيش ؟
مات الهواء الذي كنت استنشقه من جامعتي ،
غادر القلم ، اختفت قاعات المحاضرات ، وتعلق كل شيء .....
التعليم تدمر ، والجميل تشوه والحقد والبغضاء عمت الكل ، حتى المثقفون ، طلبة الجامعات ، أُعميت قلوبنا
وزُرع الحقد بيننا والكراهية ،
تفرقنا، ودخلت بيننا الشحناء ....
لقد صار كلاً منا ينادي زميله بالعنصريه ، والطائفية ، غادرتنا تلك الابتسامات التي كنا نتبادلها في الصباح ، غادرت تلك اللهجات المختلفة التي كانت تضج بساحة الجامعة ...
غادرت وغادرت وغادرت و....
لا شيء نعيشه اليوم صارمفرحاً ...... السعادة غابت في اوطاننا .....
فلا سعدنا بتعليم ، ولا تهنأنا بوطن...
ضاع وطننا منا سريعاً ....
عذراً ايها الصباح فقد قُتلت طلتك الرائعة ...
لا غرابة اذا جئت سريعاً وذهبت سريعاً ....
فيحق لك ان تفعل ذلك ...
ومثلما غادرت انت ...
فقد غادرت جامعتي أنا أيضاً ، وكمادخلت خائفاً أترقب ...
غادرت خائفاً أترقب ، محاولاً أن اخفي ادواتي، ،دفاتري ،قلمي المسكين حتى لا تصيبه شرارة الخوف الذي يحدق بيّ من كل جانب ..