لحج نيوز/بقلم:مقبل الفقيه -
ما أسوأ أن يقتات المرء على ثقافة، وأن يستثمر في التحولات التي تمر بها الأوطان ضارباً بقيم المهنية والمصداقية عرض الحائط، مستغلاً موقعه لرفع اسمه في بورصة التملق والمضاربات السياسية!!.
فهذه العينة من البشر لا تدري من أي صلصال خلقت؟!.. لكن المسألة لها جذر تاريخي في تراثنا العربي، فثقافتنا العربية ومناهجنا الدراسية تزدحم فيها قصائد المديح والذم والتي ليس لها من غرض سوى التكسب بـ”الكلمة”، وتمريغ الأنف في التراب لقاء فضلات الملوك والولاة من الدنانير التي يشتري بها ولي النعمة مواقف وعقول الآخرين.
ومما يزيد الطنبور رنة أن نجد هذا “المثقف” جاهلاً بأبجديات الكتابة الموضوعية مترئساً لصحيفة تدفع نفقات تكاليفها من ضرائب الفقراء وعلى حساب عرق المعدمين، وإمعاناً في السقوط إلى القاع ترى هذا المثقف يوماً مع (علي) وآخر مع (معاوية) مبدلاً توجهاته وفقا لحجم العطاء واستجداء لرضا الحكام الجدد الذين يتنبأ بقدومهم بناء على معطيات الضبابية الحالية.
سمير اليوسفي “كاردينال” صحيفة “الجمهورية” هو واحد من أصحاب هذه الملحمة التاريخية التي تتكرر عبر التاريخ بصور شتى، والتي ترى تجلياتها اليوم على أكثر من صعيد وفي غير مجال.
والشاهد أن صحيفة “الجمهورية” الرسمية كانت قبل (الثورة) الحالية وعندما كان اليوسفي رئيسها تعج بمقالات الرجل الذي كان يثلب فيها “المشترك” وخاصة “الإصلاح” ويتهمهم بأنهم ليسوا سوى جماعات لتخريب الوطن.
أما وقد أصبح اللقاء المشترك حاكما اليوم فإنك ترى هذا “المثقف” يسمح بنشر المقالات والمعلقات التي تمجده وتصفه بـ”المنقذ للوطن”، ولست معترضاً على نشر مقالات التمجيد فهذا حق من حقوق المواطنين في حرية الرأي، كما أن “المشترك” فيه الكثير من الإيجابيات، ولكن إشفاقي يتركز على اليوسفي كيف أصبح كبير المنبطحين بعد أن كان كبير المناطحين للمشترك؟.. لا يسعني إلا أن أسفه كل شخص يترأس صحيفة توجه الرأي العام ثم لا يكون وفياً لأدبيات المهنة وأخلاقيات العمل الصحفي، بل جل تركيزه أن ييمم شطر المال والمنصب وإلا كيف يفسر لنا استبداله للعمود الثابت للدكتور محمد النهاري في الصفحة الأخيرة بعمود احمد عثمان القيادي الإصلاحي؟!!.. هل اكتشف مؤخرا رداءة المادة العلمية التي يقدمها الدكتور وهبوط المنسوب القرائي للمقال، ما حدا به لوضعه في الصفحات الداخلية في الصحيفة مع احترامي للصديق احمد عثمان؟!!.. أتحدى هذا اليوسفي أن ينشر مقالاً تحليلياً موضوعياً حول الظاهرة الإسلامية، فهو لا يجرؤ لأنه يريد أن يكفر عن سيئاته الصحفية السابقة حول المشترك عامة والإصلاح خاصة، مع أنني متأكد أن “الجماعة” لم ولن يطلبوا منه ذلك لكنه الاستعداد الفطري للذل والدونية، إذ كيف يقبل أن يكون بهذا الموقف الحرباوي دون أن يفطن أن الناس لم يعودوا قُصّرا، بل لفرط ذكائهم أسقطوا حكاما جلاوزة.
قد يكون مبرراً أن يجد المرء مبتدئاً مرة في اليمين ومرة في اليسار، إذ أنه في مختبر التجريب ولما ينضج بعد، أما أن تجد مثقفاً بحجم رئيس تحرير صحيفة بهذه الحالة فهذا مشهد تراجيدي بامتياز.
ومن نافل القول: إن المثقف الحقيقي هو من ينحاز إلى هموم الناس ويعبر في مواقفه عن المثل العليا ويستمد مصداقيته من عدم استزلامه لأحد، أما الصحفي المحترف فهو من يقف على مسافة متكافئة من جميع الأطراف والأفكار ويترك معرفة الصواب لذكاء الجماهير، أما اليوسفي فهو في سياسته للصحيفة لا يعبر إلا عن خليط من الطمع الذي به يرضي أسياده الجدد أعداء الأمس ومحصوري الآفاق ومخربي الأوطان؛ كما كان يصورهم في مقالاته على صدر الصفحة الأولى لـ”الجمهورية”.
أسفي عليه وشفقتي كيف يترك أشرعته توجهها رياح السلطة -أية سلطة- كيفما اتفق، وهو المؤتمن على صحيفة تخاطب جمهوراً واسعاً؟!! ولست اعترض على اتساع الصحيفة لمقالات عناصر الإصلاح فهذا حق من حقوقهم الثابتة كمواطنين يمنيين، ولكنني أنبش في تاريخ الرجل المهني فلا أجده سوى بندق خردة للنصع، بل إنه صعد نفسه أكثر وتحول إلى مجرد بيدق بيد الآخرين أيا كانوا.. فهو لا يهمه الموقف الأخلاقي بل مبدأ الربح والخسارة والعرض والطلب.
(*) إعلامي وباحث في الفكر الإسلامي بمحافظة تعز