الإثنين, 27-فبراير-2012
لحج نيوز - نبيل الصوفي لحج نيوز/بقلم:نبيل الصوفي -
تصف الثورة، أنصار رئيس الجمهورية السابق، علي عبدالله صالح بأنهم "جهلة وأشباه متعلمين ومثقفين، ومستفيدين من نظامه، يؤلهوه ويحبوه حبا جما ناهيك عن مناطقه القبلية الكبيرة ولائهم له مطلقا".

وفي نقاش على صفحتي، في الفيس بوك، أمس بين صديقين رائعين، احدهما مع الثورة والآخر غير معني لا بالثورة ولا بالنظام، قال الأول: "في عطلة الصيف الماضي لاحظت ذلك الانقسام داخل كل بيت وفي ريف تعز لكن معظم هؤلاء جهلة أو عجزة او عصبيين او موظفين او خائفين من المجهول او متضررين من طول مدة الثورة أو مؤتمريين متنافسين مع حزب الإصلاح الإسلامي".

فقال له الآخر: "وكل هؤلاء ألا يشكلون علامة فارقة في المشهد السياسي أم لابد لهم من كرفتات ومواقع فيس بوك ومقاطع يرددوها من شعر نزار حتى يكون لهم وزن".

رد صديقي Hamoud S. Aldahbali: "المشكلة أنهم غير مستعدين للتضحية من أجل بقاء رئيسهم ومعظمهم يدركون انه فرعون قدره الله عليهم وخائفين جبروته وبطشه. بالمقابل كان الثوار أكثر بسالة وتضحية وتصميم على الخلاص مهما كانت التضحيات وهنا بيت القصيد فإذا خرج من شعبك عشرة % وقالوا إما أن ترحل وإما أن تقتلنا فأيهما تختار يا صاحب الشرعية المنزل طريق بشار وإلا طريق بن علي؟".
فقال باسيد "تصنيف المبررات وفق هذه الطريقة هو الإقصاء والتهميش الذي قامت الثورة ضدهما".

* في كل مرة، كنت ألاقي العنت في تفهم موقفي من قبل من قرروا ما هي الجملة الوحيدة التي يجب ان نرفع علمها ونقولها في وصف الرئيس والنظام بما فيهم عبدربه قبل أن يغيروا أوصافه فجأة أيضا، كنت أتذكر أبي، وأتذكر تلك العجوز التي في أوج الازدحام في جولة الجامعة، شدت من مجموعة شبابية لافتتهم وصاحت "علي فوق راسك"، بلحن مغنى، بطريقة بسيطة، وكان موقفا رائعا يومها من الشباب وهم يحولون الأمر إلى ضحك، لأنها كانت فقط مارة في طريقها وعبرت بتلقائية، ونجت من تهمة البلطجة ومن الاعتقال.

* الصراع على السلطة ليس نزهة، ومع كل الإجلال لشهداء البلاد، فانتم رأيتم تماما كيف دافعت اللجنة التنظيمية المبجلة عن سلطتها في الساحة، بما في ذلك ضد من ساروا على أقدامهم مئات الكيلومترات من تعز، وعشرات الحوادث.

وأيا يكن لا يمكن إلا القول إن اللجنة في مجمل تصرفها كانت تحمي الساحة من صراعات لو كبرت لكنا شهدنا المآسي. مع مساحة للخطأ في التوجه أصلا.. وبالأساس عانت الساحات من عملية احتلال لمناطق سكنية بالقوة ولو بلا سلاح. وقد فرض على المنطقة موقفا سياسيا واحدا ومن كان له رأي سياسي آخر عاش كل الرعب وانتقل تاركا بيته، للمجهول.

خلاصة القول، عاد الرئيس صالح، ومرة أخرى شعر كثير من الذين نشروا الأحكام القاطعة انه لن يعود، وذهب بعضهم لإعلان اعتقاله، عاد ليسلم الدار وما تبقى من الدولة للرئيس المستفتى عليه عبدربه منصور هادي.

وسيكرم فخامة الرئيس الحالي، بعد اليمين الدستورية لفخامة الرئيس الجديد، بأفضل مما كرم فيه الدكتور علي مجور، وحسن اللوزي، ونعمان الصهيبي، ومطهر رشاد المصري..

* وعبر عمان، سافر الرئيس علي عبدالله صالح إلى أمريكا، وعبر أثيوبيا عاد.

والاثنين، حفل تنصيب الرئيس الجديد، في حفل رسمي، ينتقل فيه إلى دار الرئاسة وينتقل علي عبدالله صالح، الى منزله.

نعم، هذه لحظة فارقة في تاريخ اليمن.. لأول مرة سيبدأ الحكم رئيسا جديد، لم يصل بالصراعات داخل العهد القديم، بل امتداد له، وفي حياته وهو داخل البلاد وليس خارجها.

هذا هو الجديد، الذي لم تجربه اليمن بشطريه إلا مع بدء عهد الرئيس إبراهيم الحمدي، فيما يخص وصوله من خارج أطراف الصراع، ولكن بدون ان يبقى رئيسه السابق حاضرا.

ووصل عبدربه كما وصل الحمدي، فيما يتعلق بأن كل منهما وكيلا للدولة التي كادت أن تنهار.

وهذه المرة، سيكون على الرئيس السابق، وهو الآن رئيس حزب الشراكة الوطنية بالنصف في حكومة الوفاق، أن يخفف عن نائبه سابقا، ورئيسه في الدولة مستقبلا، الصراع مع مراكز القوى، ليتفرغ هادي للحكم بالقانون، وبتقديم فقط الناس ومصلحتهم العامة، على أي مركز قوة كان من بقايا الثورة أو من بقايا النظام. وحسن قال صالح إن اليمن سيحكمها سيف واحد لا سيفين، وهي إشارة تخصه، وتخص من حاول وراثة النظام عبر الثورة.

* هي فرصة تاريخية لليمن، لم تتحقق من قبل، فالرئيس الحمدي رحمه الله، سرعان ما تحولت سياساته لمصدر صراع مع ثعابين المراكز العتيقة.. ولأن ظهره مكشوفا فقد اغتالته تقاطعات المصالح.

وان كان صالح، سيقدم بعد غد، آخر التزاماته، للمبادرة، فسيكون أمام هادي، مهمة الدفاع عن القانون، تجاه موظفي دولته، بما فيهم رموز عهد صالح، الذين يحكمهم قانون الخدمة العامة المدني والعسكري، وليس الموقف السياسي، وهوهو ما يعني، أن على "بقايا الثورة، وبقايا النظام"، الكف عن الصراع، فلقد حبروا أصابعهم وفقا لنفس المبادرة التي تنازل بها الرئيس صالح عن الحكم، وهي تمنحه كرئيس للمؤتمر الشعبي نصف الحكومة ولمدة عامين.. وهذا ليس اتفاقات سرية.. فقد كان المخرج الوحيد، من مرحلة مابعد الثورة، والتي تلتها مرحلة أزمة، ثم مرحلة التسوية.

وثمة مسؤولية كبيرة، على الحوثيين، ومستقلي الثورة، فهم الضمانة أن لا يوظف أحد قوى العهد الجديد، الدولة في صراعه ضد الآخر..

هي الساحات والسلمية، والرأي العام.. من لديه قضية يتجه إليها وفقا للقانون.. وعلى الإعلام الرسمي، أن يفسح المجال للجميع، دون أي حد من التواطؤ مع هذا آو ذاك، ولربما وصلنا لما كنا نحلم به من تحرير الإعلام من دوره كذراع للسيطرة السياسية..

وبالتوازن هذا داخل النظام، وبرقابة أولئك، قد نعرف سباقا يمنيا على تحييد الوظيفة العامة، بدلا من تقاسمها، وحماية المال العام بدلا من استسهاله.

الحراك الجنوبي، قضيته أخرى، وهو يبقى موازيا لكل هذا،، ومفتاح اختبار أكثر خطورة..

والرافضين للمبادرة وللوفاق، أمامهم الناس، إن التفوا حولهم، بسلمية حقيقية بدون حماية لا عسكرية ولا قبلية، فمن حقهم مبادرة جديدة واتفاق جديد، وإلا سيبقون مجرد أداة بيد طرفي الصراع الرئيسي.

* يمكن للثورة وللنظام، تقاسم شرف هذه اللحظة العظيمة، والانتقال لما بعد.. إن قبلا تقاسم هذا الشرف، كما تقاسما الحكومة، ووقعا المبادرة والياتها، ولم يعودا لأجندات ما قبل ذلك.. وإلا فكل الأبواب مفتوحة لمواصلة الطريق نحو الهاوية، وقد صار الطريق إليها سهلا ومخيفا.

وسيلعن الناس والتاريخ، من سيخطو فيها الخطوة الأولى.

فهل نبدأ جولات الحوار، أم سندخل مرحلة من الاجتهاد بسبب صراعات بقايا الثورة وبقايا النظام.

* دعوا اليمن، تنتقل للأمام.. وان كان قدر الرئيس صالح، أن لا تكون نهايته كما قرر معارضوه، ولا كما يريد أنصاره أيضا، فهذا هو قدر هذا الرجل، أن يبقى متمسكا بخيط من الانتصار وسط كل ركام الهزائم، طيلة كل سنوات حكمه التي لها وعليها.. وحين تعود المعارضة للاعتدال، سيعاد ترتيب الناس بشكل موضوعي، في تقييمهم للرجل، وسنكتب عن سلبيات العهد، كما سيكتب غيرنا على الضفة الأخرى عن ايجابياته. هكذا هي دوران السياسة، فلقد مر يوما صار فيه ياسين سعيد نعمان، حلال الدم، وجاء يوم آخر صار قائدا لمن أفتى.

وتنافس غالب رموز حماة الثورة، طيلة أزيد بكثير من 33 عاما، من قول نفس الجمل على كل رئيس يختلفون معه، قبل أن يعودوا لرشدهم بعد أن "تنتهي السكرة وتنتصر الفكرة".

ولقد سن صالح، سنة حسنة في تكريم رؤساء العهود، وأعاد لدار الرئاسة الذي بناه معنى ومبنى، صور اليمن في ملوكها ورؤسائها.. الذين مرت عليهم أيام أيضا اتهموا بأكثر وأسوأ مما يتهم به صالح من خصومه اليوم. وعلم الشعب بعد حين، أنها أكاذيب الصراع، متسلقة على منطق الأقدار الأبدية، التي "وتلك الأيام نداولها بين الناس"، فالحياة كلها تداول وبقرار صاحب القرار. وليس هناك من عنده ينتهي حكم الله ويتوقف التاريخ.

وبعد غد ستوضع صورة صالح في مكانها بين رؤساء اليمن، على جدار الدار، مفسحة مكانا مستقبليا للرئيس عبدربه منصور هادي.

وستنجو اليمن، بالتوافق الوطني، الذي لا معنى له ما لم يقدر كل طرف للآخر، أنه تنازل عن نصف التهور وتمسك بنصف الاتزان. وأنه الآن شريكا.. في السياسة والرأي العام، وسيبقى تفاصيل ما حدث لنا معاشر الصحفيين والكتاب والباحثين، لنعيد رسم الصورة بدقة دون ضغط الخوف ولا القلق ولا المطامع، غير أن الأهم، هو تقدير، شهداء اليمن، أيا كانت انتماؤهم، وشكر شبابا صادق التوجه، في مناشدة التغيير، الذي هو أعمق من شخص الرئيس، وهو تحتاجه اليمن في العمق، وهو الجملة الوحيدة التي قالها طرفا الصراع منذ اليوم الأول، وان اختلفا في تحديد طريق الوصول إليه.

ومن حق الناس تبادل السجال، المنتشي بالانتصار، والشاعر بالهزيمة، لكن وحده من سيتعامل مع الآخر كشريك، سيكون هو سيد المستقبل وشريكه، حتى نصل إلى لحظة تشعر فيها اليمن بالنصر، ولا يزال بعيدا، غير أنه صار أقل بعدا اليوم.

والله غالب على أمره
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 05-مايو-2025 الساعة: 09:03 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.lahjnews.net/ar/news-19627.htm