لحج نيوز - ريم عبدالغني

السبت, 25-ديسمبر-2010
لحج نيوز/كتب:ريم عبدالغني -

“في ممرات المشفى تدفعني أختي على الكرسي المتحرك.. تحاول أن تشتت تركيزي عن الأمر بنكات ساخرة تطلقها.. لكنها لا تفلح.. هيهات أن أستطيع تجاهل نظرات الفضول والدهشة والشفقة في كل العيون.

أخفض رأسي كيلا أراهم.. من أعرف ومن لا أعرف.

امرأة طيبة تتمتم ببعض دعاء شفاء “للمسكينة التي ما زالت شابة”، تغرورق عيناي بالدموع، لم أتخيل أبداً أن أعيش هذا الموقف.. رباه، أرفق بالمعوقين، كم تبدو لي الآن حياتهم صعبة وقاسية، أفكر فجأة بكل ما لم يعد بإمكاني فعله، تلح علي الرغبة بأن أركض، أن أرقص، أن أقفز.. لماذا لم أفعل.. كل لحظة.. يوم استطعت؟”.

في غرفة التصوير الشعاعي

“الأصوات الحادة تخترق إذني.. تبث مع الألم الخوف.. كأنها نعيق آلاف الغربان.. كأنها عشرات صفارات الإنذار..

الآلة العملاقة.. وحش خرافي من المعدن يحتل فراغ الغرفة الباردة.. جهاز الرنين المغناطيسي.. بوابة الرجاء والقنوط.. يتيح للأطباء استكشاف أدق حنايا الجسم، هل يستطيع ترى أن يرصد ما يعتمل في قلبي الآن؟!!!.

مجدداً استلقي على السرير الضيق.. يتحرك آليا ليدخل قلبي جهاز ضخم لا قلب له..

في مرآة صغيرة مثبتة في خوذة ألبسوها رأسي، ألمح أطياف أطباء وراء جدار زجاجي، يتابعون على شاشات الكمبيوتر ما يحدث داخل جسدي المرهق.. خلفهم.. بدا لي طيف أختي القلقة.. حبيبتي.. لم تفارقني لحظة منذ مرضت.. لم تسمع إلا عبارتي الأولى في الهاتف بصوت منفعل.. وكان ذلك كافياً كي تترك خلفها أسرتها وعملها.. وتسافر ساعات طويلة.. لتكون بجانبي، في لحظات كهذه، أشعر بالذنب بحق ابنتي إذ بقيت وحيدة، ففي دنيا مليئة بالمفاجآت- مهما كنا أقوياء- لا بد أن نحتاج إلى سند بين لحظة أو أخرى.. ومن أقرب من الأهل؟!.

أغص وقد تذكرت ابنتي.. فكرت بردة فعلها حين تعرف ما حصل لي، لحسن الحظ أنها مسافرة برفقة صديقتها في رحلة خارج البلاد ولن تعود قبل شهر.. وربما عندها أكون قد استعدت عافيتي.. هل سأستعيدها ابداً؟!.

الرجاء

“أطباء.. أطباء.. ممرضات.. أثواب بيضاء.. أجهزة غريبة.. روائح عقاقير نفاذة.. إبر تخترق كل مكان في جسدي.. يزوغ بصري متعقبا قطرات المحلول الملحي تتدافع في أنبوب شفاف يصب في وريدي.. لتصل دمي، ترى هل تحمل معها الشفاء؟

شرائح شعاعية سوداء تتقلب أمام بصري.. عشرات الصور.. يمعن الطبيب النظر بها ليقرأ ما لا أراه، قلبي معلق بعينيه وشفتيه، أحاول أن أستقرئ ما سيقول.. يتطاول الزمن بشكل مؤلم.. قبل أن ينطق بما لا يشفي غليلي ولا يعيدني إلى بر الأمان.

أهمس مناجية “صديقي الأعلى”.. أرجوه ألا يخذلني.. أذكره بسذاجة بأشياء طيبة فعلتها.. أبين له وجهة نظري فيما قد يكون أثار استياءه.. وتتضاءل فجأة أهمية أشياء خلتها أساسية.. سبحان الله.. تتغير خارطة الدنيا أمام عيني..

رجع قلب

“ينتشلني رنين جوالي من تأملاتي.. لن أرد.. منذ عشرة أيام لم أرد على أية مكالمة، لا أحد إلا أهلي وقلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.. اكتشف الآن أنهم من يهمني في هذه الدنيا.

يتابع رنينه بإلحاح، وأقرأ اسما عزيزا على الشاشة، فأقرر أخيراً أن أجيب، يبادرني بالعتاب “لماذا لا تردين منذ بضعة أيام؟” أسمع صوتي يجيبه.. آت من صقيع أعماق سحيقة، أخبره باختصار عما حصل، يصمت دهراً ثم يتحشرج صوته وهو يستحلفني بتوسل أن أقول إنها دعابة سمجة.. قبل أن يجهش بالبكاء ويقفل الخط..

أبكي طويلاً وقد مست مشاعره قلبي، كم صار البكاء يفاجئني هذه الأيام.. كأن قلبي في عيوني..”.
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 04-مايو-2025 الساعة: 08:44 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.lahjnews.net/ar/news-10102.htm