الخميس, 17-يونيو-2010
لحج نيوز - مباريات كرة القدم باتت أفيون الشعوب! ومباريات كأس العالم اليوم باتت وريثاً شرعياً للألعاب التي كان يُقيمها قياصرة الروم في الملاعب العامة لإلهاء الشعب عن قضاياه الحقيقية؛ قضايا ثروات لحج نيوز/بقلم:د. إبراهيم علوش -

مباريات كرة القدم باتت أفيون الشعوب! ومباريات كأس العالم اليوم باتت وريثاً شرعياً للألعاب التي كان يُقيمها قياصرة الروم في الملاعب العامة لإلهاء الشعب عن قضاياه الحقيقية؛ قضايا ثروات الأمة وحقوقها وسيادتها وأراضيها المحتلة وفقرها وبطالتها إلخ...
هذا الهوس اللاعقلاني بمشاهدة المباريات، وتشجيع الفرق، ورفع الأعلام بحماسة من على شرفات المنازل والسيارات، وهذا الانجراف الأهوج في المجادلات حامية الوطيس ـ و"طوش الضرب" أحياناً ـ، تعصباً لهذا الفريق الرياضي أو ذاك، لا يمكن أن نصفه، لو شئنا استخدام مصطلحات علم النفس وعلم الاجتماع، إلا كشـكلٍ من أشـكال "الهسـتيريا الجماعيـة" المعولمـة التي تتبدد فيها العقول والقلوب والطاقات والمشـاعر والأنظار في النهايـة في مجاري الصرف غير الصحي لعدميـة السـخافـة وخواء اللاإنتماء.
أحد عشر رجلاً يُطاردون قطعة من الجلد مليئة بالهواء هو الشكل الفيزيائي المحض لفريق كرة قدم، يُقابلهم أحد عشر رجلاً غيرهم يلبسون ألواناً مختلفة ويسعون خلف نفس قطعة الجلد المملوءة بالهواء ـ الكرة ـ فيضعون الخطط، ويوزعون الأدوار، ويلهثون خلف تلك الكرة في أسوأ الأحوال الجوية أحياناً. وإلى هنا لا مشكلة طبعاً، فهذا شأن يخصهم، وتلك حرية شخصية لا يؤذون بها أحداً. لا بل أن لعبة كرة القدم شكل من أشكال الرياضة، والرياضة منافعها الجسدية والمعنوية والصحية لا تُعد ولا تُحصى. ولا يجوز الاستنتاج من هذه الكلمات أبداً أننا ضد الرياضة، على العكس تماماً، يدور الحديث هنا بالضبط عن عدم ممارسة الرياضة، والتحول، عوضاً عن ذلك، إلى بشـرٍ غير فاعلين يتسـمرون أمام الشـاشـات متفرجين مصفقين أو بكَّائين، إلى متحمسـين متعصبين لفرق رياضيـة لا تمـس حياتهم بشـيء، ولا تُغير فيها شـيئاً، لا للأحسـن ولا للأسـوأ، حتى على صعيد الفوائد الشـخصيـة لممارسـة الرياضـة.
وتلك منافذ آمنة سياسياً للحراك الجماهيري في كل العالم لا تؤثر على السياسات الداخلية أو الخارجية، ولا على موازين القوى، ولا حتى على المجال الحيوي لذبابة، ولذلك تُفضل الحكومات أن تركب موجتها، خاصة أنها تؤدي وظيفة التنفيس، بعد أن يتوهم مئات ملايين المشاهدين حول العالم أنهم أنجزوا شيئاً ما، أو "مروا بالكثير"، وانتصروا أو انهزموا، بعد مشاهدتهم الحثيثة لمباريات "كأس الهبل"!!
هل حرر منتخب إيطاليا لكرة القدم الأراضي العربيـة المحتلـة حتى نرفع الأعلام الإيطاليـة بهذا الشـكل؟ هل وحد منتخب البرازيل لكرة القدم الأمـة الممزقـة أجزاؤها؟ هل نهض المنتخب الفرنسـي لكرة القدم بالأمـة اقتصادياً واجتماعياً؟ لا بل أن بعض تلك الأعلام هي لدولٍ اسـتعماريـة لها تاريخٌ قذر معنا ومع كثير من شـعوب العالم الثالث!! فليـس من المفهوم أبداً أن نتحمـس لها أو أن نُشـجعها، خاصـةً أن التشـجيع والتأييد الشـعبي ألأحمق هنا يتحول إلى تأييد سـياسـي مجاني غير عقلاني بكل المقاييـس.
وعندما ترى كيف كاد يتحول ذاك التعصب اللاعقلاني إلى حرب بين بلدين عربيين، وكيف تكاد تتحول المباريات الرياضية بين فرق كرة القدم الأردنية إلى مراجل للفتنة الأهلية، فإنك لا تملك أن تقول إلا: أعوذ بالله من مباريات كرة القدم وبطولاتها الوهمية السخيفة.
وكل ما سـبق لا يتطرق لقضيـة مهمـة جداً وهي كيفيـة تحول لعبـة الرياضـة إلى تجارة صرف، إلى دولارات ويوروات ودنانير، وإلى مصدر للأرباح الخياليـة لمالكي الفرق وبائعي حقوق عرض المباريات ومالكي حقوق بث المباريات على الشـاشـات، أي إلى وسـيلـة لعصر جيوب الناس في النهايـة، وليـس فقط لتسـخيف عقولهم وصرفهم عن شـؤونهم العامـة المهمـة.
وبمقدار ما أُحب الرياضة، أفتخر بهذه المناسبة بأنني لم أتابع يوماً مباريات كرة القدم، ولا حتى أنواع السيارات الرياضية، فكلها هدرٌ للإنسان ولوعيه، وانحدارٌ للغرائز المريضة، وأُطالب من على هذا المنبر كل المثقفين والكُتاب وصُناع الرأي وخُطباء المساجد وأساتذة الجامعات وكل حريص على هذه الأمة أن يشنوا هجوماً معنوياً معاكساً على هذه "الهستيريا الجماعية" المسماة مباريات كأس العالم. فالجمهور ليس دوماً على حق!

[email protected]

تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 01-نوفمبر-2024 الساعة: 12:13 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.lahjnews.net/news/news-5714.htm