الجمعة, 17-أبريل-2015
لحج نيوز - يوسف أحمد العليقي بقلم/ يوسف أحمد العليقي -
في وطني الكبير، لا يحب المواطنون الراكعون الساجدون عبادةَ الأصنام، ولا تعجبهم عبادةُ البقر والقرود وذكور الماعز ، وتضحكهم كثيراً عبادةُ الضفادع والفئران والخفافيش والسلاحف المقدسة. تلونتْ أديانُ الأمم الوثنية هنا بلون آخر، وصار العبادُ الصالحون عندنا يفضلون عبادةُ الموتى، فمن محيطنا التائب إلى أول قرية تنادي الرقودَ إلى صلاة الفجر، لا يستنكر أكثرُ الناسِ انتشارَ الأضرحة والقباب، ولا يبدو غريباً مقامُ السيد البدوي، والمهدي، ومولاي إبراهيم، والرفاعي، وتبدو مألوفةً راياتُ الدسوقي، والأنصاري، وشموعُ أوجستين، والأم كاترينا.

محمد الغراب سرٌ في قبره لا يعلمه إلا قليل من صفوة النساء والرجال، وقدراتٌ تفوق كلَ خيال، وعَونَ الطيار يحسنُ فن الملاحة والسباحة في السماء ، والسيدة ميمونة معجزةٌ تمشي على الماء. ويقوم القديس أوجستين حياً ويأتي من أقصى الجزائر يسعى ليُعَمّد الأطفالَ في فلسطين. وترى حيثما ذهبت قباباً كثيرة ورايات، وأضرحة وأمواتاً لا تـُحصى أسماؤهم ولا تعد، اتخذهم الدراويشُ شفعاءَ لهم عند الله، فلجأوا إليهم ولاذوا بهم واعتصموا، وهدتهم عقولهم وسمعهم وأبصارهم إلى طريق إبليسَ بدل الاهتداء إلى الصراط المستقيم.

{ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }الأعراف194.
لكنهم حملوا الكتابَ على ظهورهم، وانطلقوا إلى معابدهم يدقون الأرض بحوافرهم، فأصبحت عظامُ الموتى أسطورةً طارت بها أعجب الحكايات، وأضحت قبابُهم الخضراء، وتماثيلهم، والجدرانُ البيضاء بيوتاً حج إليها المشركون، فقربوا ذبائحهم، وأوفوا نذورهم، حتى إذا طافوا وتمسحوا بالقبور، واستوقدوا الشموع، وأحرقوا البخور، قاموا يدعون شفعاءَهم خاشعين، و ما كانوا إلاّ بشراً غابوا عن الزمــان والمكان، واحتجبت أنفسُهم وراء حاجز الموت، وقد تخلى العقلُ عنهم وتعطلت الحواس، وفارقتهم كلُ آيات الحياة إلى يوم يبعثون.

{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ }الأحقاف5.

ولما كان التوحيد والعمل الصالح عند الله بمنزلة رفيعة لا تعلو عليها منزلة، كان الثواب عليهما ثواباً لا يدانيه ثواب، و كان الشرك بمكان وضيع ليس أدنى منه مكان، وكان ضلالُ المشركين ضلالاً ما بعده من ضلال.

{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً }النساء 116.

أتى هذا الكونُ المذهل طائعاً يشهد أن اللهَ واحد لا شريك له، وأبى أكثرُ الناس إلاَّ أن يشربوا لبن التوحيد السائغ مخلوطاً بالدم والصديد؟

( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) الأنعام

في ظلام الخرافة يسمع الأمواتُ الدعاء، وتشفعُ لدى الله العظامُ ، وتقربُ إليه زلفى، وتـردُ التحية بأحسن منها، بل تهدأ الصدورُ عندها، و يذهب الهمُ والغم، ويصير البائسُ الفقير غنياً، وتلد العقيمُ، ويركض الكسيحُ، ويقعد الطبُ عاجزاً، ويجد العبادُ مفاتيحَ الأبواب المغلقة، و في ضوء الشمس يقول الكتابُ المبين.

{وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ }فاطر22.

غير أن الخرافة تحبُ الليلَ الحالك وتكره ضوءَ النهار، وتقرأ التنزيلَ العزيزَ على طريقتها الخاصة، وتهوى الفساد والعبث فتضلُ الغافلين عن كنزِ التوحيد الذي لا ينفد، وتدعوهم إلى بؤسِ الشرك، وذلِ السلاسل والأغلال.

{ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }31 الحج

وما خر أولئك الدعاةُ والصالحون والعلماءُ من السماء، وما هوت بهم الريحُ في مكان سحيق، ولو أنهم أفاقوا اليوم لأذهلهم ما يدور حول قبورهم من ظواهر الشرك وبواطنه، إلاَّ أنهم رقدوا إلى يوم البعث فهم لا يعلمون.

{ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ }النحل21.

فقل صدق اللهُ ، وكذبتْ كلُ الطقوس الوثنية الجاهلة، وضلت في صحراء اليأس أساطيرُ البلهاء الذين اتخذوا التوحيد لهواً، فصاروا لعبة يتسلى بها في أوقات فراغه إبليس .
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 03-مايو-2024 الساعة: 06:41 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.lahjnews.net/news/news-31672.htm