الجمعة, 12-فبراير-2010
لحج نيوز - في هذه الأنثولوجيا “نحو القمر/القلب، العقل، الروح، الجسد” تأخذنا الحكايات لنصل إلى عمق الأرض والجرح فيما نحن نقلب صفحات هذه المختارات المكتوبة بأقلام نساء الهنود الحمر في كندا. نواجه عالماً إشكالياً، نقرأ الأمل في المختارات التي جاءت حصيلة لحج نوز/بقلم:جاكلين سلام -

مختارات بأقلام نساء الهنود الحمر في كندا
كتابة ما بعد العنف الجسدي والنفسي والجرح التاريخي

في هذه الأنثولوجيا “نحو القمر/القلب، العقل، الروح، الجسد” تأخذنا الحكايات لنصل إلى عمق الأرض والجرح فيما نحن نقلب صفحات هذه المختارات المكتوبة بأقلام نساء الهنود الحمر في كندا. نواجه عالماً إشكالياً، نقرأ الأمل في المختارات التي جاءت حصيلة ورشة عمل اشترك فيها عدد من النساء في مدينة تورنتو، استمعن إلى بعضهن البعض، كشفن الغطاء عن بعض الأسرار، تقاسمن الدمعة والضحكة والتاريخ، القهوة والحلويات، وتركن بين أيدينا هذه القصص والكتابات الموزعة مابين الشعر، القصة، المتخيل والواقعي. كتابات بعضها يجري في مكان العمل، بعضها بوح داخلي روحاني يمس العلاقة مع الذات والآخر، بعضها واقعي نابع من تجربة حياتية مؤلمة غالباً ومحتفية بالغد والأمل في بعض مقاطعها، بعضها يحتفي بالبيئة ويدعو إلى صيانتها. تندرج النصوص بين الوثائقية والتخيلية. قامت بتحريرها “لينور كيشينغ-توبياس” وهي كاتبة، قاصة شعبية من قبيلة “الاوجيبوي”. وكتبت مقدمة المجموعة بث برانت من قبيلة “موهاك” وحررت عدداً من المختارات الخاصة بالنساء في شمال أمريكا، تقول الكاتبة: “النساء في هذا الكتاب جسورات، حاملات الحقيقة، اللحم، الدم، العظم، الشعر، ولدن بالطرق القديمة، ويبعثن أنفسهن ثانية بقوة الكلمات، دون أن يخسرن التواصل مع الأرض، التقاليد والطبيعة. وأنت أيها القارئ ستكون شاهداً على نار الخلق”.

الانخراط في عالم الهنود الحمر أو السكان الأصليين في كندا وامريكا وتاريخهم، مشحون جرعات من الأسى، من الغموض والغرابة والسحر، يستدعي انغماس الروح، القلب، الذهب والجسد في هذا العالم الذي لم يشفَ من جرحه ومن آثار الانتهاك الفظ الذي عاناه هذا الشعب. وتأتي الكتابة لتكون معبراً آخر للشفاء والتداوي من الألم الشخصي والعام الذي يحمله أبناء هذا الشعب الذي يحمل عادات وتقاليد قد تبدو غريبة و”غير حضرية” بمنظار “الأبيض” الذي أراد أن يحكم العالم ويفرض شرطه الروحي والأخلاقي والاجتماعي على هذا الآخر المختلف الذي عرف كيف يحافظ على تراثه من خلال القص الشفاهي وحمل الإرث من جيل إلى جيل، عبر الكلمة، الرسم، الرقص، الأقنعة والرموز.
هنا سنسمع امرأة تقول: ” من الصعب أن أتكلم عن نفسي الآن، التداوي من العنف الجسدي يحتل حيزاً من جسدي، وكذلك العنف النفسي والعاطفي. صار من الصعب علي أن أعرف ما الذي لي، والذي ليس لي. أشياء سيئة كثيرة جرى التستر عليها، لا نريد أن نتذكر. عندي ابنة جميلة، هدية حقيقية. لقد ساعدتني على استعادة شيء من توازن حياتي كامرأة. وساعدتني على التطلع إلى مستقبل أفضل لي ولها. ص5.
الحديث عن الأمومة وتربية الطفل، يحيلنا إلى الجريمة الكبرى التي ارتكبت في حق نساء ورجال وأبناء الهنود الحمر في كندا، حيث تم اقتلاع آلاف الأبناء من أحضان أمهاتهن والذهاب بهم إلى عائلات “بيضاء” لتقوم الأسرة الجديدة بتربيتهم على الطريقة الأمريكية الحضارية. هذا العنف الفظيع خلّف أثاراً لا تغتفر على الأفراد. كان الانتحار، الانصراف إلى المخدرات والكحول، العنف وفقدان الأمل من نتائج هذا الاضطهاد. ظهرت الآثار بقوة على المرأة بشكل خاص. النساء والشابات أصبحن عرضة للاغتصاب، في العائلة وخارجها، للابتزاز بكل صوره. ومن المؤلم أن نسمع ونقرأ في الميديا والبحوث بأن هناك عشرات النساء “الهنود الحمر” يختفين في ظروف غامضة، يقتلن أو يختفين إلى الأبد. بعض هذه الحوادث موثقة رسمياً. كما نجد في الكتاب تركيز على اسم قبيلة كل كاتبة، موطنها الأول، أمومتها، عدد أولادها أو أحفادها، إن وجدوا. كأن، ثمة توجه على استعادة أواصر العائلة والعودة إلى جذور الأسلاف.
تقول الكاتبة “مونيكا مكاي”: وظيفتي أن أخلق شبكة بين الأفراد من الهنود الحمر(السكان الأصليين) والآخرين من غير الهنود، لنتبادل النظر في علاقاتنا، لنقرأ قصصنا. الأساتذة والمرشدين الذي أتواصل معهم من شعبنا وخارجه، تجاوزا مرحلة الغضب، ويعملون بأساليب متقدمة لمحاربة العنصرية. ص11.

تتابع النساء الغوص في الروحانيات والمعتقدات التقليدية المتوارثة. فالاسم الذي يحمله الفرد، يحمل دلالة تراثية ويشير إلى علاقة ما بالأرض، بالمكانة الاجتماعية. كذلك الحال في تفسير العلاقة مع الأرض الأم وموقعها المقدس في معتقداتهم، كما الشجرة والنار والشمس، الحيوانات ، الريشة والجهات كلها تمتلك طاقتها ورمزها الكامن، ولابد من إقامة الطقوس الخاصة والصلوات لاسترضائها وتقديم الشكر لها.
هنا بعض المفردات التي تكتبها الشاعرة كلمة في كل سطر وبشكل عمودي، تدلل على بعض مقومات انتمائها “الحيوان/البربري/ الموت/ كري-اسم القبيلة/المساواة/الريشة/الشرف/ الهندي / الخروف/العدالة/الحب/أنا/نبشناوبي/ فخر واحد عريق/ لاشيء أكثر. ص 35.

مقتطفات تسرد الحكايات من مواقع شتى
في نص “المحاسبة” تقول جون كيوغا: “عملي كمحاسبة ليس خلاقا، لكنه ممتع. كنت سأتوقف عن العمل، لو كان محتّم علي أن أشتغل بدون أي تواصل إنساني. الزبائن يصبحون مثل أصدقاء قدامى، يخبروني عن مواليدهم الجدد، زواجهم،عائلاتهم والموتى. يحدثوني عن وصفات للطبخ، وطرق للتداوي، حتى أنهم يثدمون لي طريقة تحضير شراب الجعة في البيت، وأنا أكره الجعة وأمقت رائحتها. لا أشعر أن هناك تقليل من شأني من قبل الإدارة أو الموظفين. ساعات عملي والأجرة جيدة. سمعت قصص وقحة وسلبية عن السكان الأصليين(الهنود) لكن هذا لا يضايقني، لأنني أعرف كيف ومن أكون.” ص 25.

تقول بانكوندا بيل في نص بعنوان “صورة الشجرة”: “أسمع دائماً كلاماً عن الإنسان وعن البيئة وكأننا منفصلين. متى سنحكي حقيقة وجودنا؟ . نحن لسنا منفصلين. حبلنا السري مايزال مرتبطاً بهذه الأم الأرض. مسقبلنا لا مكان له بدونها. يغلبني الدمع، أشعر بالغضب، صوت ينادي من أعماقي” يكفي يكفي” جدة جدتي تركت هذه الأرض لنا. يجب أن نتركها لأولاد أولادنا.” ص 51.

وتقول جاكي لافالي: “لن يكون بإمكاننا أن نسير إلى الأمام ونصبح أقوياء، إن لم نختلط بالناس حولنا، هذا يعني أن ننظر، أن نتعلم، أن نميّز الخضوع والاستعباد، سوء المعاملة، ونتقاسم التجربة الأليمة نحن النساء “الانديجنوس” مع الأطفال والرجال. فقط من خلال هذا التبادل يمكننا أن نبدأ نوعاً خاصاً من الشفاء.”

جاكلين سلام: شاعرة وكاتبة سورية مقيمة في كندا
[email protected]

تمت طباعة الخبر في: الخميس, 25-أبريل-2024 الساعة: 07:55 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.lahjnews.net/ar/news-2693.htm