الخميس, 04-فبراير-2010
لحج نيوز - * ما الذي يمنع السلطة في اليمن من أن تصدر قراراً تاريخياً.. يعنى بالمصالحة مع الماضي؟! ورد الاعتبار لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان؟!، فاليمن لا تقل شجاعة عن المغرب، والرئيس علي عبد الله صالح ليس أقل جرأة من العاهل المغربي محمد السادس.
إن حدوث مثل ذلك سيكون أهم حدث سياسي.. ودستوري يكتب لليمن.. إن أي نظام سياسي يرفع شعار الإصلاح والتحوّل لحج نيوز/خاص:أعدّ الملف للنشر/ رأفت الجُميّل -

هل ستشهد اليمن مصالحة مع الماضي؟! ورد الاعتبار للضحايا


 بقلم المناضل الأستاذ/ محمد عبدالرحمن الجُميّل *


 ما الذي يمنع السلطة في اليمن من أن تصدر قراراً تاريخياً.. يعنى بالمصالحة مع الماضي؟! ورد الاعتبار لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان؟!، فاليمن لا تقل شجاعة عن المغرب، والرئيس علي عبد الله صالح ليس أقل جرأة من العاهل المغربي محمد السادس. إن حدوث مثل ذلك سيكون أهم حدث سياسي.. ودستوري يكتب لليمن.. إن أي نظام سياسي يرفع شعار الإصلاح والتحوّل الديمقراطي، مطالب ليس فقط بأن يتوقف عن الممارسات التي تنتهك حقوق الإنسان.. من اعتقال عشوائي، وتعذيب ومحاكمات جائرة، وإنما عليه أيضاً أن (يتطهر) من الانتهاكات التي تلوّث يده. وذلك (التطهير) هو دليل الصدق والأمانة في التحوّل، وهذا ما فعلته (جنوب أفريقيا) حين شكلت لجان (المصارحة والحقيقة). وهو ما فعلته المغرب حين تعاملت مع ملفات الغائبين والمفقودين، وأولئك الذين تعرضوا للانتهاكات والتعذيب، إذ في الحالتين فتحت الجراح كله، وجرى تطهيره من مكامن التقُّيح والعفن المتراكم، فحوسب من حوسب، وأعتذر آخرون مما صدر عنهم وطلبوا الغفران من الضحايا، ومن المجتمع كله، وجرى تعويض الذين تعرضوا للتعذيب، وكذلك الذين فقدوا ذويهم بعدما خطفوا واختطفوا في ظروف غامضة، تبيّن بعد ذلك أنها لم تكن (غامضة).. أو الذين ماتوا بسبب التعذيب، وقبل هذا كله وذاك.. إطلاق سراح سجناء الرأي، وأُلغيت قوانين الطوارئ الاستثنائية التي ألقت بهم في غياهب السجون، هذه المهمة ينبغي أن تنجز قبل أي كلام من المشاركة السياسية.. أو قل أنها ألف باء الديمقراطية، التي بغيرها لا تقوم لبنائها قائمة. السجن.. الوطن! فاتحة الثمانينيات.. الأجواء السياسية ملبدة بالغيوم، الرعب والإرهاب يلف الجميع، الكل مهدد في بيته وفي الشارع وفي الجامعة وفي مقار العمل.. في كل مكان.. لا فرق أمام الكلاب الضالة المطلق سراحها أن تنال ممن تشاء، وفي الوقت الذي تشاء.. الجميع متهم.. موجة إرهابية انطلقت تعتقل وتسجن وتعذب.. وتغتال بالرصاص، ودهساً بالسيارات، لا يهم الوسيلة المهم هو أن كل السُبل استخدمت.. انتهاك فاضح لحقوق الإنسان وكرامته العظماء لا أثر له، ولا قيمة. كان جهاز الأمن الوطني هو الجهة الوحيدة التي تحكم في البلاد.. وهو وحده الذي يقرر مصائر الناس.. وكانت مختلف الأجهزة والمؤسسات عبارة عن كيانات بدون فعل ولا تأثير.. جميعها تتأقزم أمام سطوة وجبروت هذا الجهاز، الحاكم الوحيد في البلاد. حملة الاعتقالات طالت الآلاف من أبناء هذا الوطن.. العُمال والطلاب والنساء والتجار والسياسيين والموظفين والمثقفين والصحافيين والأطباء.. ورُعاة الأغنام.. وغيرهم. وبدا أن الجميع كانوا قد اتهموا سِلفاً (بالحزبية) والانتماء، ومناصرة الأحزاب اليسارية والقومية والوطنية.. التي كانت تعمل بالسر بعيداً عن أعيُن أجهزة الاستخبارات.. وهو ما جاء بهم (ضيوفاً) إجباريين إلى معتقل (البشائر).. كان البرد القارس يحتل كل الخلايا، ولكني رغم ذلك شعرت بالاطمئنان بصحبة ذلك الاحتشاد الضخم.. ممن وقعوا ضحية الاعتقال والاختطاف، والاختفاء القسري والاعتقال التعسّفي.. والذي حدث أن هؤلاء كانوا موضوعاً لشبهات سياسية.. أودعتهم هذه الأقبية، حتى يتم انتزاع (الاعترافات) منهم ليس بفعل ذكاء الجلادين، ولكن بسبب الانهيارات التي تحدث تحت آلة التعذيب. في داخل زنازين معتقل (البشائر) كان المعتقلون يتراصون.. يفترشون الأرض، وأقدامهم مكبلة بالأصفاد، إنما كان الغريب في الأمر، واللافت للنظر.. أنه كان ضمن المعتقلين راعي أغنام، لا يفقه إلاّ في علم الماعز وجودة لبنه، وروعه صوفه، ولا يعلم ما الذي ساقه من بين قطيعه في الجبال والوديان، وأتى به إلى هذا الجحيم!. ولأن كانت معاناة السجن وعذاباته لا تحتاج إلى براهين وأدلة.. واستدعاء الذكريات، فأن الجميع يعرفون معنى المعتقلات.. وما يجري فيها من قهر وإذلال، وانتهاك فاضح وفج لكرامة الإنسان وآدميته.. ولم يكن من الصدفة أن مر مصطلح (الحزبية) في خاطري، فالواقع أني كنت مأخوذاً بالسؤال الذي حيرني طيلة هذا الليل.. وهو ما علاقة الحزبية والدولة والمعارضة والدستور وكل هذه الأشياء براعي الغنم؟.. وما علاقة هذه الدولة بهؤلاء الناس الضحايا التعساء، وتهمتهم التي زجّت بهم إلى هذا المعتقل، ومحنتهم الكبيرة التي جعلتهم بلا حماية من الفقر والبطالة، والاستبداد و(الإرهاب)؟!. تحت آلة التعذيب حين يأتي المساء، كانت أقبية الموت تستقبل مزيداً من المعتقلين، ينضمون إلى سابقيهم، ومنهم تستمع لحكايات دامية، يتطرقون فيها إلى تلك الأساليب المشينة التي اتبعت معهم أثناء اختطافهم من بين أطفالهم.. أو من الشارع وهم يستقلون وسائل النقل العامة.. ولا يقطع سرد تلك الحكايات إلاّ الآهات والأنات التي تصدر من المعتقلين الرازحين تحت آلة التعذيب أو نداء الجلادين لأسماء جديدة مطلوبة للمثول في غرف الموت للتحقيق معهم!. كانت حالة من الرعب، والهلع تسيطر على تلك الأقبية.. وكان كل معتقل يعتقد أن دوره قد حان.. كان المعتقل يعود من غرفة الموت وهو محمول على نعش، الدماء تسيل من بدنه، وتنزف من جميع أجزاء جسده ومن هول التعذيب ووحشيته كان العديد من المعتقلين لا يقوون على الكلام.. وعاجزون عن الحركة.. وكان المنتظرون في الأقبية والذين لم يحن استدعاؤهم يتدافعون لتطبيب الجراحات، ومسح الدماء من الأبدان، وتغيير ما يمكن من ملابس المعتقل.. ومواساته ببعض الكلمات.. والإشادة بشجاعته، وقدرته على التحمّل وهزم جلاديه. كان معظم المعتقلين يقضون الأشهر والسنوات داخل أقبية هذا المعتقل، دون أن تصدر بحقهم أية أحكام قضائية، ولم توجه لهم أية اتهامات صريحة، سوى تلك (الاعترافات) التي أدلوا بها.. بفعل قساوة التعذيب وجهنميته.. والتي تأتي في لحظات الانهيارات الأخيرة!. في السجن قيد وقهر وإذلال، لكن فيه أيضاً مساحة لتأمل النفس والدنيا والبشر، ومع ذلك لابد من الإشارة إلى أن هذا المعتقل (البشائر).. من بين عشرات المعتقلات، كان قصراً لآخر أئمة اليمن محمد البدر وأفراد أسرته، وقد تم نسف طوابقه العليا بمارد الثورة، وكان يؤمل أن يتحول إلى متحف، يحكي عن فترة معينة من تاريخ اليمن المعاصر، لا أن يغدو رمزاً جديداً للطغيان وإهدار كرامة الإنسان والدوس على آدميته. من جحيم (البشائر) نجا قلة، وقضى عدد آخر في صمت رهيب..بينما أُصيب الغالبية بعاهات جسدية، وجروح نفسية، لازمتهم طوال مسيرة حياتهم. وأعلم علم اليقين أن هؤلاء الضحايا لم يعيروا أي التفات للصخب الإعلامي عن الإصلاح السياسي، والديمقراطية والحريات العامة، بل ولا حتى حقوق الإنسان.. الذي يبدو مصطلحاً تجريدياً.. ومع ذلك فهل هناك علاقة عميقة بين الإصلاح السياسي والديمقراطي من ناحية وراعي الغنم من ناحية ثانية؟!. (2) فصل في إرهاب الدولة! * نحتاج في هذه الأيام إلى إن نتذكر ماحدث عام1982م، حتى يُقيِّض لنا أن نطالب السلطة.. برد الاعتبار والاعتذار، والتعويض المادي والمعنوي، لكل الذين تعرضوا للاختطاف، والسجن والتعذيب، وانتُهكت حقوقهم الإنسانية، فالذين عاشوا تلك التجارب.. في تلك الأيام بوعي.. يدركون حجم الانتهاكات لحقوق الإنسان. فقد.. كُتب على المواطن أن توضع في طريقه سجون.. واحدة تلوّ أخرى.. مطلوب منه أن يعبرها.. وكُتب عليه أن تُبنى أمامه معتقلات.. لا تختلف كثيراً في أهدافها عن (البشائر).. مطلوب منه أن يعبرها.. وكُتب عليه أن يخوض محنة تلو أخرى.. وأن يواجه خطراً تلو آخر. هكذا لم يكُن (البشائر) هو الكابوس الأول.. ولن يكون الأخير، فبعد (البشائر) كانت هناك عشرات (البشائريات).. وبعد (البشائر) كان هناك.. أقبية الموت في حَدةْ. وقضية (المصالحة مع الماضي).. واحدة من القضايا التي يجب الوقوف فيها لرصد هذا.. فهي مَفصلة زمنية واضحة.. ينفتح عندها باب الرؤية الشاملة التي تُقلّب في إدارة الأيام.. وتعيد النظر في ملفات (ضحايا الانتهاكات).. بحيث تكون النظرة من بعيد.. كي يكون (رد الاعتبار) أوضح وأشمل وغير غارق في التفاصيل. خلف أسوار مُعتقل (حدة)! في تلك الفترة لم نكن نتوقع.. في هيئة تحرير صحيفة (الأمل) التي صدرت بناءاً على اتفاق سياسي بين سلطتي الوطن، والذي قضى بإصدارها في العاصمة صنعاء، وإغلاق إذاعة الجبهة الوطنية الديمقراطية.. الحقيقة كُنا نتوقع أي خطر داهم يحدق بنا، لاسيما وان المراقبة الأمنية.. كانت تتعقبنا كظل الإنسان، لا تبارحه إلاّ في المنام أو الموت.. وفعلاً لم تفارقنا الرقابة الأمنية إلاّ في ساعة الخلود للنوم.. أم الموت فلم يكن قد حان موعده.. حينئذٍ كانت كل الاحتمالات واردة ومتوقعة، لكن.. أن تتم عملية الخطف بتلك الطريقة الإرهابية.. فقد كانت مستبعدة تماماً. كان في ذلك اليوم، من عام 1982م، ثلاثة من الاستخبارات -الأمن الوطني- أو (الجستابوا).. كما كان يطلق عليهم الأخ المناضل الوطني/ احمد صالح احمد العزعزي، الذي تم اختطافنا معاً في ذلك اليوم المشؤوم من داخل منزله. فقد توجهنا من مقر صحيفة (الأمل) إلى المنزل، الكائن في قاع العلفي – العاصمة صنعاء- لتناول وجبة الغداء.. لم نكن نعلم أن جماعة من الأمن الوطني.. قد سبقونا إليه.. واتخذوا وضع التأهب والاستعداد داخل المنزل.. طرقنا باب المنزل.. وعلى الفور فُتح لنا الباب.. على غير العادة بدون سؤال.. كانت المفاجأة تنتظرنا هناك.. ثلاثة مسلحين يرتدون الزيّ التقليدي يحتلون المنزل حتى أننا لم نشاهد طفلاً ولا امرأة.. فالجميع حُشروا في غرفة جانبية.. وتحت التهديد منعوا من إصدار أي حركة أو أي أصوات.. بمجرد أن تخطيِّنا عتبة الباب وقبل أن نميز ملامح (المُحتلين).. ونتعرف على طبيعة مهمتهم.. هجموا علينا كالوحوش الكاسرة.. كبلّوا أيدينا بالأصفاد، وأخضعونا لتفتيش إرهابي مرعب. وعندما لم يعثروا على أي دليل لإدانتنا واتهامنا.. أخرجونا من داخل المنزل بطرية عنيفة وحاقدة.. لم نقاوم، ولم نُبدي أي اعتراض، على تلك الهمجية، والإجراءات الإرهابية. وكيف يتأتى لنا ذلك وفوهات الأسلحة مصوبة نحو رؤوسنا، والموقف لا يحتمل سوء الاستسلام.. الاعتراض الوحيد الذي صدر منا هوا استغرابنا لما يحدث.. وعندما قلنا.. أن هذا لا مبرر له لخص كبيرهم الموقف بعبارة واحدة انتم (شيوعيون ومخربون).. هكذا كان يسميها من فرط أدبه، وحُسن تربيته. الموكب في الانتظار! أمام البوابة الرئيسية للمنزل، كان الموكب في انتظارنا، ثلاث سيارات مدنية داخل كل واحدة منها ثُلة من أفراد الأمن على أهبة الاستعداد بأسلحتهم.. رمونا بعنف.. كل شخص داخل سيارة.. تحرك الموكب، دون أن نعلم إلى أين المصير. مرت تلك الساعات ثقيلة متباطئة، كأنها دهراً بكامله.. لم استفق من هول المباغتة، وعملية الاختطاف إلاّ وسط حشد من المعتقلين في زنزانة أرضية بمعتقل (البشائر).. استعيد كابوس الرعب الذي حدث!!. العزعزي ينقل بطائرة عسكرية! أما بالنسبة للأخ المناضل/ احمد صالح العزعزي، فقد نقل جواً على متن طائرة (هيلوكبتر) عسكرية إلى محافظة تعز، وهناك أودع في احد المعتقلات، حيث خضع لشتى صنوف التعذيب النفسي والجسدي.. وللأمانة أقول أنه لم يهتز، ولم يرتجف، لم يخنع، لم يسلم، لم يقبل بسياسة الأمر الواقع، وقف وتحدى، لم يكترث بالتهديدات الرخيصة. ويصف: احمد صالح العزعزي واحدا من أهم فصول هذه العملية السرية: (لأول مرة أسافر إلى محافظة تعز وأنا آمن.. أما مسألة (تشريفي) بالنقل جواً، لم يكن الهدف من ذلك إظهار أهميتي وذلك.. لا أدعية.. وطبيعة عملي الإداري البسيط ليس بخافٍ على أحد.. ولكن الهدف الحقيقي من وراء ذلك هو محاولة إضفاء طابع (الخطورة).. على (التهمة).. التي من الممكن أن توجه لي). المهم في الحالتين أُطلق سراحه، دون أن يعلم ماهي تهمته حتى الآن.. عدا تلك التهمة.. التي عادةً ما توجه لكل الوطنيين اليمنيين: (أنت مُخرّب)!. أساليب التعذيب.. ووسائله! في هذا المعتقل تحديداً.. حيث اتساع الزنازن لا يتجاوز متراً.. وحيث مئات المعتقلين والمُختفين.. حيث لا قانون ولا عدل ولا شرع، حيث الزبالة في كل شيء.. وحيث الزبالة كل شيء. في أول أيام الاعتقال في سجن حدة جاء منادياً باسمي، سرت بعده.. ثم نزع العصابات من عيني وفي نهاية الرواق الطويل.. استوقفني أمام باب غرفة تحقيق، ودفعني إليها بالقوة وحين توّسط الغرفة، استدار نحوي، وصفعني في الوجه بعنف، ومن شدة رخاوة يده طار الشرر من عيناي، لحظتئِذٍ انتابتني مشاعر ممزوجة بالمهانة والقهر.. وكان هذا أول درس قاسي واجهته في بداية هذا (الرعب).. والحقيقة أن هذه الحالة التي انتابتني ليس من ألم الصفعة.. ولكن.. من صاحبها الذي كان يتقصع في مشيته أمامي مثل النساء. تحذيرات سلطان عُمر وهنا تحديداً تذكرت تلك التحذيرات التي أسرّ لي بها همساً زعيم المناضلين الوطنيين الأستاذ/ سلطان أحمد عُمر –رئيس الجبهة الوطنية الديمقراطية، عقب توقيعه قرار التكليف بالعمل الصحفي ضمن هيئة تحرير (الأمل) في العاصمة صنعاء. فقد نحى بي جانباً وقال: (من الآن.. ينبغي أن تعرف.. أنك معرض للاعتقال، والتعذيب وربما الموت والخيار متروك لك بالقبول أو الرفض.. وأضاف: (مُش بعدين تقول يا أماه إلحقيني))!. مفاجأة.. الحزب الشيوعي اليمني في غرفة التحقيق الثانية.. كان هناك في الانتظار أكثر من أربعة محققين.. وفي اللحظة التي تواجهنا وجهاً لوجه.. ونظرت في ملامحهم.. كانت بالنسبة لهم اللحظة مباغتة، لم يضعوها في الحُسبان.. وقد لمست ذلك من حركة رؤوسهم التي استدارت نحو زاوية رأسية واحدة.. باتجاه سقف الغرفة.. وكأن آلة وُجهت رؤوسهم نحو الأعلى. المهم.. كانت الغرفة خالية.. سوى من طاولة طويلة جداً.. وكرسي وحيد.. قعدت على الكرسي حسب الأوامر.. ثم وُضع أمامي.. قوائم مكتوبة بخط اليد، مدوّن فيها مئات الأسماء، وقرين كل اسم الصفة.. كان أن لمحت القائمة التي يراجعها المُحقق التي كان عنوانها الرئيسي.. هكذا (أسماء أعضاء منظمات الحزب الشيوعي في اليمن).. تعجبت من تلك التسمية التي لم يسبق وأن سمعت عنها، إلاّ في تلك اللحظة.. وتساءلت: أليس هذا الحزب في (((()))).. والله لا أعلم أنه قد انتقل إلى صنعاء، وعندما سألني المُحقق عن اسمي.. وأجبته عن سؤاله، بحث في القائمة.. فكان اسمي يحتل الرقم (4) تقريباً فأشار عليه بعلامة صح.. فقلت في نفسي: (والله مبروك يا عمنا.. أنت عضو بارز في (الحزب الشيوعي) ولا لك عِلم)!!. وللمرة الثانية.. سحبوا تلك القوائم.. ووضعوا مكانها.. طوب بياض ودرزنين أقلام.. وبلهجة آمرة قال المُحقق: (أكتب.. كل ما تعرفه).. والحقيقة أنني لا أعرف هذا الـ(كل ما أعرفه).. لكن مع كل ذلك سجلت انطباعات ناقد للسياسات الخاطئة في الجنوب. بعد أن أطلع المُحقق على ما كتبته، سألني: هذا كل ما تعرفه؟.. قلت: نعم.. فمسك الأوراق.. ومزقها ورمى بها في وجهي.. ثم أشار إلى الجلاد الواقف بجانبه، فأخذني إلى زنزانة السلخ، وما وجدته هناك أعجز عن وصفه بدقة.. لكن من الذاكرة سأحاول قدر الإمكان. في زنزانة.. المسالخ البشرية! في زنزانة (المسالخ البشرية).. وتحت آلة التعذيب.. على هيئة وضع الشاة المجهزة للسلخ.. كان الجلاد يحاول استنطاقي وانتزاع المعلومات كُرهاً.. بينما كان مساعده يحمل هراوة غليظة.. يهوي بها على ظهري.. مع كل سؤال يطرحه الجلاد. وتستمر العملية حتى يصاب المعتقل بالغيبوبة وفقدان الحواس، والاتزان.. ويظل يهذي بعدها بعبارات.. وكلمات غير ذات معنى.. إلى أن يشعر الجلاد أن التعذيب بلغ مرحلة الخطر.. هنا فقط.. تُرخى الحبال الموثوق بها المعتقل.. ويهوي البدن، مرتطماً بشدة في الأرض.. كانت هذه العملية تستمر يومياً، في ساعات الغبش الأولى.. دون انقطاع، لمدة خمس ساعات. ولا ينفذ منها المعتقل، إلاّ بعد إصابته بحالة شلل نصفي، وكسور ورضوض في جميع أجزاء الجسم تظل آثارها وآلامها وأوجاعها تصاحبه مدى الحياة!.. وهذا كان حالي!. أيوب طارش.. معتقلاً! ففي أعقاب أحد الأيام الدامية.. وعند الساعة الثالثة فجراً.. وأثناء ما كنت داخل الزنزانة الواقعة تحت الأرض، ومغطى بالبطانية.. أصارع آلام التعذيب، والجوع والرعب.. صحوت على صوت الجلاد.. وهو واقف فوق راسي ينهرني بعنف: جم.. جم.. الفندم يريدك.. وتبعها بالركلات.. والضربات المُتتالية بالهراوة.. نهضت مُسرعاً، أجُر أقدامي جراً.. وعيناي معصوبتان، بالكاد أرى بصيص منها. وأمام إحدى غرف التحقيق، دفعني إليها بعنف بالغ قائلاً: أدخل الفندم ينتظرك.. حين وقفت أمام الفندم.. كنت في حالة يُرثى لها من آثار التعذيب، والهزال الجسدي الذي أصابني بسبب امتناعي عن تناول الطعام. - قال المحقق بنبرة تهكمية: (مالك هكذا.. قد شكلك مثل الجيفة). - رديت عليه مباشرة والألم يعتصرني.. لا حيلة لي في ذلك يا فندم.. لست أنا السبب في ما أنا فيه.. ولكن رداءة الخدمات في هذا الفندق.. فأصدر ضحكة خفيفة.. لا أدري هل هي سخرية من الإجابة.. أم استحسان لها!.. ثم أمرني بالقعود.. وبدأ يتحدث معي بأسلوب ناعم، وسألني بلهجة مهذبة: هل تعرف القيادات الحزبية الكبيرة في صنعاء؟.. - قلت: نعم حق المعرفة.. - من هم؟.. - يافندم هم سعيد الجناحي، ومحمد الشيباني.. فشعرت انه أمتعض من الإجابة فقال: هؤلاء قيادات معروفة.. ولكن أسالك عن القيادات غير المعروفة.. - الحقيقة أنا لا أعرف سوى المعروفين واقسم على ذلك: ثم أمر العسكري بإعادتي إلى الزنزانة. حبيت.. حبيت! من الزنزانة المجاورة.. كان يصدح، صدى صوت جماعي، كله شجن وعذوبة.. و رِقه يردد مقاطع أغنية للفنان الكبير (أيوب طارش): حبيت.. حبيت.. ماشي حلمت أو تراءيت.. وقد علمت في ما بعد.. بأن ذلك الصوت.. كان يرده مجموعة من طلاب الجامعة، تم اقتيادهم في نفس تلك (الحملة المشهورة) من حرم الجامعة.. وتحت نفس التهمة..(مخربون)!. عميل لـ(استخبارات أمن الدولة)! وأحد أدلة التعذيب، كذلك أن الجلاد حاول الاستعانة بأسلوب آخر في مجال نزع المعلومات.. أسلوب التيئيس والهزيمة المعنوية.. والسخرية.. وفكرة هذه الطريقة.. تأتي في اللحظات الأخيرة وتحديداً عندما يجد الجلاد نفسه أمام الفشل والعجز عن إخضاع المعتقل للاعتراف.. وانتزاع المعلومات.. وفي تلك المبارزة العقلية بين الجلاد والمعتقل.. قال الجلاد موجهاً حديثه لمساعده: ما رأيك نقرأ له كتاب (ماركس) ربما ينزل عليه الإلهام ويتكلم.. فأجابه مباشرة: هذا الكتاب قد حفظه عن ظهر قلب!. كنت استمع لهذه المحادثة (المسخرة) وجسدي يتدلى في الهواء.. أنصرف الجلاد.. وعاد بعد ثوانٍ معدودة حاملاً تنكة فارغة.. زل يطبل بها أمام رأسي ويُردد الاثنان معاً: - حوشي بالحوش.. ومحمد صامد.. - حوشي بالحوش.. ومحمد صامد.. وكان الجلاد يقصد أن حزب الوحدة الشعبية بقيادته وقواعده معتقلين في الزنازن.. وأن المحققين ليسوا بحاجة لأي اعترافات أو معلومات جديدة، فالجعبة كلها معهم!. ولقد كانت واحدة من أبرع الحيِّل المخابراتية في هذا المجال.. وفي عالم المخابرات لا يجوز إطلاق الأحكام.. بدون قصص محبوكة، لا مانع من أن تساندها اتهامات.. وهذا ما حدث، فقد وُجهت لي تُهمة العمل لصالح جهاز (أمن الدولة) في عدن. قال المُحقق: أن هذه التهمة أكدها أحد المُعتقلين، وذكره بالاسم.. وهنا زاد ذهولي، فالأول مرة أعرف أن هذا الزميل مُعتقلاً. كان من السهل عليّ أن أنفي ذلك الاتهام الخطير، وعندما طلبت تأكيد التُهمة بالدلائل أو إحضار الشخص الذي اتهمني.. للمواجهة.. صمتوا نهائياً.. ولم أعد أسمع مثل تلك التهمة تتردد أبداً. متى نُغادر أسوار الصمت في أعقاب حملة الاعتقالات المشهورة في عام 1982م، سرى في أكثر من مدينة يمنية في الشمال والجنوب، اعتقاد راسخ بأن المخابرات (الأمن الوطني) قد استطاعت الوصول إلى نُخاع الهيئات القيادية والحزبية.. وأنها مخابرات لا تُقهر ولا سبيل إلى التغلب عليها.. في تلك الأيام وبعدها.. لم يفتح أحد من هؤلاء الرجال القابعين خلف أسوار الصمت من فمه بكلمة واحدة. كانت الحقائق التي يلوكونها أغرب من الخيال.. لكن الآن لعل الأوان قد آن أن نسأل: لماذا نواجه الماضي؟ والإجابة من أجل (ترسيخ الديمقراطية، الواجب الأخلاقي، استحالة تجاهل الماضي، وضع حد لإفلات الجُناة من العِقاب، لكي لا تتكرر الانتهاكات في المستقبل، الالتزام القانوني). وهنا ينبغي أن نؤكد أن الواجب الأخلاقي يفرض نفسه، وعلى كل الذين انتهكت حقوقهم في أقبية الموت أن يدلوا بالشهادة.. وأن يغادروا أسوار الصمت.. فلم يبقى مُتسع من العمر، وليس ثمة ما نخاف عليه، أو نخاف منه.. وحان الوقت الذي نفتح فيه كل الملفات.. دون عجل أو وجل!. * المتاجرة بالمخدرات.. وتناول المشروبات الكحولية * تسريب تقارير أمنية إلى أمن الدولة * ماذا جرى بين وزيرا الوطن؟ وكيف جاء قرار الإفراج؟ يأخذ المرء نفساً طويلاً وعميقاً حين يخرج من (أقبية الموت) في حدة الذي تحوّل البشر فيه إلى وحوش كاسرة، لا قلب لها.. ولا ضمير. يستشعر المرء قدراً من الارتياح لأن الكابوس قد زال، لكن قلقاً خفياً لا يلبث أن يعاوده، حين يسمع أن السلطات الأمنية دأبت على إرسال المعتقلين الحزبيين إلى كهوف جبلية في محافظات نائية، ولتعذيبهم واستنطاقهم. وقبل شروق شمس اليوم التالي نقلت من أقبية الموت في حدة إلى سجن المباحث الجنائية.. برفقة المسؤول الأمني وصاحبه، وعند الوصول قام وعلى الفور باستدعاء آمر، وأسرّ أذنه همساً بدا كما لو كان على درجة كبيرة من الأهمية والخطورة، وقد بدا ذلك واضحاً من خلال اللفتات المتكررة لآمر السجن وتفرسه في ملامحي. كنت واقفاً خلفهما على بعد خطوات لم أفهم شيئاً مما دار.. ولكني في ما بعد فهمت خلاصة الحديث الهامس.. حيث بدا ذلك مكشوفاً من خلال التعامل الفج والمفضوح الذي أتبع معي. المسرحية.. والمُهرّج! وخلال وقت وجيز استطاع آمر السجن من تكريس حضوره في المسرحية، كمهرج ضمن فرقة الأمن (.....) باعتباره الشخصية المخادعة التي يعتمد عليها في تغليف الحقائق وإخفائها عن الأنظار، بحركات بهلوانية تبقيها بعيداً عن الأبصار. فقد أصدر المسؤول الأمني تعليمات مشددة لإدارة السجن بعزلي في زنزانة انفرادية، لمدة ثلاثة أسابيع ، ومنع اقتراب السجناء مني، باعتياري متهم بالمتاجرة بالمخدرات!. وعلى إثر هذه التهمة الخطيرة.. وبعد ساعات قليلة انتشر الخبر في كل أرجاء السجن.. وذهب البعض في البداية كما هي العادة مع الأسف في مجتمعنا إلى إلصاق تهمة (المخدرات) بالسجن الجديد. وبعد هذه الإثارة التي هيّجت المشاعر تبيّن أن الأمر كله ليس على النحو الذي توّهموه وسوّقوه.. إذ كشف آمر السجن الحقيقة.. بعد عدة أسابيع.. ربما بغباء أو (بصحوة ضمير).. أو بتعليمات جديدة. إذ كان في كل زورة تخصني ينادي هو أو شاوش السجن (أين الصحفي.. زيارة) وهكذا استمرت العملية، ما بدد تلك التهمة.. وغدا جميع السجناء يعرفون الحقيقة.. وبعد ذلك.. تغيرت طريقة تعامل السجناء معي.. حيث حظيت بالتفاف واسع واحترام وتقدير لا مثيل لهما إلى درجة أن الكثيرين كانوا يتسابقون للجلوس معي وتناول الوجبات الغذائية وفي جلسات المقيل ينصتون لما أقول ويعبرون في تلك الجلسات الودية عن شدة المظالم التي أحاقت بهم,, والتعامل غير الإنساني, بل شكا العديد من تلفيق التهم ضدهم... أما بهدف الابتزاز المادي, أو الانتقام لصالح غرماء, متنفذين خارج أسوار السجن. كان السجن غاصاً بالسجناء من مختلف المدن اليمنية, وحدث ذات مرة أن التقيت بأحد الزملاء الإعلاميين الوطنيين, كان قد اقتيد إلى السجن بتهمة ("لم يود الإفصاح عنها), لاعتبارات خاصة به.. فاحترمت رغبته, والتزمت الصمت.. وفي وقت لاحق.. بينما كنت في الطابور الصباحي سألني عن أسباب وجودي في السجن.. فقلت: يبدو أن السجن (ضريبة) يدفعها كل مواطن يمني.. ورويت له تفاصيل القضية, كما حدثت بالضبط. رد قحطان قائلاً: إن تقديراتي تختلف عما سمعناه من إتفاقات أُبرمت بين السلطة والجبهة, التي قررت بإلتزام الطرفين بتنفيذ بنود الإتفاق.. ولكن كما يبدو هذا تقدير مخطىء. قلت: كنا نأمل أن تكون التصريحات التي نسمعها أن تكون تصريحات حقيقية وليست مناورات سياسية. أجاب قائلاً: إن قضيتك "خطيرة"جداً, و"بسيطة" جداً!!! فقلت: هل هذا لغز؟ قال: "خطيرة" لأنك شخصية معروفة, تنتمي إلى الجبهة, وفي نظر السلطة "أنت مخرب"... " وبسيطة" جداً لأنك صحفي تعمل بالعلن وحسب أتفاق سياسي مبرم. قلت: وكيف تقدر إمكانية إطلاق سراحي؟! قال: إطلاق سراحك مرهون بتحسن الأجواء السياسية بين سلطتي الوطن.. وحينها سيكون إطلاق سراحك مؤكداً. كلماته التي قالت الكثير, ولكنها لم تقل شيئاً, وقالت القليل ولكنها قالت كل شيء. كيف جاء قرار الإفراج؟ أخذت الأيام تمضي ببطء قاتل, وبدأت حالتي النفسية تسوء.. لاحت في الآفق بوادر تحسن في العلاقات السياسية بين سلطتي الوطن, فكانت الأجواء مهيئة لتفعيل الوساطات والمراجعات لإطلاق سراحنا.. وأتذكر أن وزيران من السلطتين في شمال اليمن وجنوبه أنذاك, جمعتهما جلسة ودية, وبينما كانا "يتنادمان" طرحت قضية إعتقالنا على بساط البحث. فقال إحداهما: هؤلأ متهمان بتسريب تقارير أمنية إلى أمن الدولة.. ولكن الآخر أقنعه بعدم صوابية التهمه, وأنها لاتعدو أن تكون جزء من الحرب الخفية بين السلطتين. حتى وإن كان الوزير الأول قد أقتنع بوجهة النظر تلك الاَ أنه طرح أتهام آخر قائلاً: هؤلاء تم إلقاء القبض عليهم وهم في حالة تلبس بالمشروبات الكحولية. فرد عليه: وماذا ترانا نعمل نحن الآن؟! وعلى ضوء ذلك صدر قرار الإفراج...!.. ولكن قبل ذلك ما الذي حدث؟! قبل يوم من إطلاق سراحي, أستدعيت إلى إدارة السجن.. سألني رجل أمن لأول مره أشاهده, عن مهنتي؟. فقلت: صحفي, ثم وضع أمامي قصاصة ورق مكتوب عليها بخط شديد الردائة ذهلت عند مطالعتي القصاصة, فقد كانت عبارة عن "تعهد بعدم العودة إلى تناول المشروبات الكحولية". جلست أفكر لثوان, ثم قلت لرجل الآمن: هذه رابع تهمة توجه لي.. وربما كان يعلم, أو لا يعلم, أن التهم الثلاث السابقة كانت: - جاسوس تابع للإستخبارات الجنوبية "آمن الدولة". - عضواً في منضمات الحزب الشيوعي اليمني. - تاجر مخدرات. هذا بالإضافة إلى التهمة الجاهزة "أنت مخرب". والقادمات, لا يعلم بها سوى الله وحده. سألت رجل الآمن: كيف تريدني أوقع على شيء لا علم لي به؟ بينما تهمتي سياسية؟! الحقيقة إن الرجل كان متفهماً وشديد التهذيب قال: لست مخولاً للخوض حول التفاصيل.. ولكن أستطيع أن أؤكد لك أن إطلاق سراحك مرهون بالتوقيع على هذه الورقة. وعلى الفور وقعت على القصاصة.. وكتبت كلمة واحدة وسط التوقيع وهي: "مكرهاً" ولا أدري هل الرجل لاحظ ذلك وتغاضى, ام لا؟! وهكذا لم أقبل أن أخرج من المباحث الجنائية مجروحاً, ومهاناً, وظليت أدافع عن قناعاتي حتى اللحظة الأخيرة. إشارات.. من التاريخ الآثم عودة الضمير الغائب عودة الضمير الغائب.. والاعتراف بالندم.. جاء متأخراً جداً.. بعد ربع قرن تقريباً.. والندم المقصود هنا – أبداه أحد المُخبرين- ممن كانوا مكلفين بمراقبة هيئة تحرير (الأمل).. هذا المُخبر الصريح والصادق.. قدر له الالتحاق بالدراسة حتى تخرّج من الجامعة.. المُثير في القصة كلها هو ما أسّر به عن نفسه، جهر به في جلسة ودية لأحد الزملاء الصحافيين قائلاً: لازلت.. أشعر بالندم والخجل من طبيعة تلك المهمة التي كُلفنا بها.. بمراقبة هيئة تحرير (الأمل). - وما أسباب صحوة الضمير المتأخرة؟!. - الحقيقة أننا كنا نُلقّن بأن هؤلاء الناس (أعداء الله).. و (شيوعيين). - ونحن بسبب محدودية التعليم، وقُّصر الثقافة.. كنا نُصدق ما يقال عنهم.. وعلى هذا الأساس كما نُعاملهم!.. - الحقيقة عادةً ما تأتي متأخرة.. لكن.. بعد أن يكون الثمن فادحاً. لا أمتلك.. المعلومات! الإشارة الثانية.. التي أود التأكيد عليها هنا.. هي أن ذلك القدر من الصلابة والتماسك.. وذلك التحمُل والصبر.. تحت آلة الموت.. لا يعودان إلى هذه الأسباب فحسب.. ولكن ثمة عوامل أخرى مهمة منها: أنني فعلاً.. لا أمتلك المعلومات التي يريدها الجلاد.. وهذا بأمانة وصدق!.. جهاز.. بدائي مُتخلّف! ليس من قبيل المبالغة، ولا من باب التشهير ولا التشفي في جهاز الأمن الوطني.. إن إبداء هذه الذكريات بتقرير حقيقة قاطعة الثبوت، وهي إن هذا "الجهاز" كان يعمل بطريقة بدائية وبوسائل متخلفة قد عفى عليها العصر، كما أنه لم يحقق أية نجاحات مشهودة، مثل اكتشاف خلايا حزبية، ولكنا هو كان يستغل حالات الانهيارات تحت طائلة التعذيب، مما يضطر المعتقلين إلى الإدلاء بالاعترافات كرهاً.. انتهاكات.. في الأمن الوطني.. وأمن الدولة! وللأمانة والتاريخ ينبغي إن نقول إذا كنا قد قررنا نشر هذه الذكريات، حول الانتهاكات التي مورست ضد الوطنيين في أقبية معتقلات جهاز الأمن الوطني (لاستخبارات). بحكم معايشتنا لها.. فإننا بذات القدر لا ستطيع إن نبرأ جهاز أمن "الدولة".. من ارتكاب الانتهاكات ضد حقوق الإنسان في الجنوب.

تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 24-أبريل-2024 الساعة: 01:06 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.lahjnews.net/ar/news-2556.htm